العم شاورما يجلب النكهة والتقاليد العائليّة العربيّة إلى الساحة المطبخيّة لبروين

يشارك العم شاورما، المطعم العائلي العربي الجديد في بروين-إلينوي، مع سيسيرو المستقلّة ماذا تعني له الشاورما: عائلة وثقافة وفرحة مشاركة التقاليد مع مجتمع بروين. 

 4 أيلول 2024: محمّد (يسار) ومجدي (يمين) يقدّمان بفخر شرائح من لحم الشاورما الذي يقدّمه العم شاورما، أوّل مطعم شاورما في بروين-إلينوي. ماريو تينوريو/ سيسيرو المستقلّة.

بقلم غاليليا مينديز. تغطية إضافيّة من صابرينا بيضون

Read in English

Leer en Español

 
للعديد من العائلات الأمريكيّة العربيّة جذور في مختلف مناطق إلينوي مثل بريدجفيو وأوكلون والضواحي المجاورة، ولكبر حجم هذه الجالية أصبحت تلك الأحياء تكنّى ب"فلسطين الصغيرة"، حيث تخطّى تعداد السكان العرب في مقاطعة كوك ال12 ألف نسمة بحسب معطيات التعداد السكّاني الأخير.

محلّات الشاورما والمخابز المشرقيّة والمطاعم الحلال تملأ الشوارع، لكن ليس في بروين أو في سيسيرو.

عمرو الفريحات وماجد العساسلة صديقان جاءا إلى أمريكا من الأردن قبل 12 عاماً، هما عائلة العم شارما وطاقم العمل فيه، وهما من بلّط أرضه ونظّفها على قدم وساق، واستمّرا في إعمار المكان حتّى تحقّقت رؤيتهما: مطعم شاورما هو الأوّل من نوعه في بروين وسيسيرو، مفتتحاً في نهاية تشرين الثاني الماضي 2023.

على الرغم من أنّ عمرو وماجد يعرفان أنّ أهل المنطقة ليسوا على دراية بماهيّة الشاورما، إلّأ أنّهما كانا متأكّدان أن أوجه الشبه كفيلة باستقطابهم، كيف لا واللحوم المتبّلة والمقطّعة والملفوفة بخبز تقليديّ نفيس هو أمر تتشارك به المجتمعات العربيّة واللاتينيّة على حد سواء.

لنأخذ مثلاً "البستور" [الراعي] المشهور، حيث تعود أصول فكرته في ترتيب اللحم عاموديّاً وطهيها ببطئ على نار مفتوحة إلى تركة المجتمع العربي المهاجر من لبنان إلى المكسيك في بدايات القرن العشرين الذين جلبوا معهم فن الشاورما. بالطبع تطوّرت تقاليد الشاورما لتعكس النكهات والذوق الخاص بالشعب المكسيكي، لكّنها حافظت في آن الوقت على الحكمة المعهودة والطراوة المنشودة في طريقة تحضير الشاورما.

محمّد، أحد أفراد طاقم العم شاورما، يحضّر طلبات الزبائن بنشاط وحيويّة، مجسّداً العزيمة والفخر الذي يسود مطبخ المطعم. ماريو تينوريو/ سيسيرو المستقلّة.

في المكسيك اليوم هناك نوعان من التاكو الذي يملأ من لحوم مطهوّة على سيخ لفّاف، أو "ترومبو" [البلبل الدوّار] كما يسمّى بالإسبانية، وكلا النوعين تعود أصوله للمجتمعات اللبنانيّة في ولاية بويبلا المكسيكيّة. النوع الأوّل "تاكو عربي" يصنّف بأنّه التاكو الرسمي لبويبلا، وتعود جذوره للمجتمع اللبناني المحلّي. والأمر سواء بالنسبة لل "الباستور"، وهو النسخة المعدلّة من سندويش الشاورما ولكن بلحم الخنزير. في المدن الشاميّة الكبرى كبيروت وعمّان تبقى محلّات الشاورما مفتوحة حتّى ساعات متأخّرة من الليل، تماماً مثل محلّات التاكو المثاليّة. هذه المطاعم ما برحت كونها ملاذاً للوجبات المغذيّة ذات السعر المعقول، ومكاناً للتسكّع والتسامر في أيّ وقتٍ كان من اليوم.

لا شكّ بأنّ هذا التقدير المشترك للّحوم اللذيذة والخبز النفيس (أو لفائف التورتيّا) والتجمّع حول الطعام معقول السعر هي أمور توحّد الثقافات الشاميّة والمكسيكيّة. يبدو إذن أنّ العم شاورما سيكون جوهرة عالم المطابخ المكنونة التي على سكّان سيسيرو اكتشافها.

سيسيرو المستقلّة حاورت كلّا من ماجد وعمرو لنتعلّم منهما أكثر عن العم شاورما، وعن قصّتهما وعائلتهما وثقافتهما، وعن فرحة مشاركة تقاليدهما المطبخيّة مع المجتمع. بقلم غاليليا مينديز، تغطية إضافيّة من صابرينا بيضون.


ماجد: كلّنا من الشرق الأوسط، من الأردن وفلسطين. أتينا إلى أمريكا قبل حوالي 12 عاماً، بينما عمرو وسائر طاقم العمل جاؤوا إلى أمريكا قبل 12 أو 13 عاماً. 

فلسطين والأردن أرض واحدة عبر التاريخ وحتّى يومنا هذا رغم الحدود الدوليّة المعاصرة. نحن شعب واحد ونفتخر بكوننا واحداً. أنا ولدت وتربّيت في منطقة نائية جدّاً في الأردن، كنّا نسكن على سفح جبل. اعتدنا أن نأكل ممّا تحصده أيدينا، وعلى هذا تربّينا، وعلى هذا تربّى آباؤنا ومن قبلهم تربّى أجدادنا. نحن فلّاحون.

الناس القاطنون هنا [في سيسيرو وبروين] يجعلوننا نشعر وكانّنا في البيت. الثقافتان المكسيكيّة والمشرقيّة متشابهتان بشكل كبير. لقد كنّا جيراناً طوال السنوات التي سكنّا بها هنا في الولايات المتّحدة، حتّى أمسى المطبخ المكسيكي من أكثر المطابخ المحبّبة إلينا، إنّه طعام رائع وطريقة تحضيره وتقديمه متشابهة. [نحن] سعداء أنّ شيكاغو لم تعد مفصولةً عنصريّاً كما كانت في الماضي. الثقافات تتمازج اللآن، وهكذا أصبحنا نتعرّف على ثقافات ومطابخ وشعوب وتجارب أخرى.

عمر الفريحات، صاحب مطعم العم شاورما، يقطّع شرائح الشاورما بعناية. يعتزّ الفريحات بذكرى عمّه الذي علمّه فن تحضير الشاورما ويكّرمها عبر الطهي وعبر افتتاح المطعم على شرفه. ماريو تينوريو/ سيسيرو المستقلّة.

أولويّتنا القصوى هي إرضاء زبائننا. جرت العادة أنّه عندما يدخل أحدهم إلى المحل نقوم بشرح توضيحي لهم عن المواد المستخدمة أمامهم، كي نبيّن لهم وجه الشبه مع المواد التي اعتادوا على تناولها مثل "البستور". أي نعم، طريقة التحضير متشابهة إلى حدّ كبير، ولكن نريد من الزبون أن يتذوّق ويستشعر بالجودة وبالعناية الموضوعة في تحضيرنا وطهينا للطعام.

القصّة من وراء [العم شاورما] هي قصّة عم عمرو الذي علّمه كل شيء، عن كيفيّة تتبيل الشاورما وحتّى العمل في المطبخ بل والأساسيّات مثل كيف يمسك بالسكّين ويقطّع البصل والخيار. هذه طريقة عمرو للتعبير عن شكره لعمّه وليكّرمه عبر تسمية المطعم نسبةً له. "العم شاورما" شخص حقيقي.

[إلى من لا يعرف ما هي الشاورما]، الشاورما مكوّنة من دجاج يتم نقعه بالتوابل لأكثر من 24 ساعة، في مزيجٍ يستخدم أكثر  من 25 مكوّناً قبل أن يصبح طبقاً جاهزاً للتقديم إلى الزبون. يتم شكّ اللحم على أسياخ معدنيّة وطهيها عاموديّاً فوق النار حتى تنضج، ثمّ يتمّ قص الأطراف الناضجة عن السيخ العملاق لتصبح جاهزة للتقديم.  

نحن نستورد توابلنا من الأردن وفلسطين وسوريا ولبنان، نخبة النخبة! في كلّ مرّة حاولنا أن نستخدم توابل من الولايات المتّحدة لم نكن نحظ بالطعم الذي اعتدنا عليه، النتيجة ليست مثل الوصفة الأصليّةـ لهذا نحن نحاول أن نستورد جميع توابلنا كي نضمن أن الطعم الذي نقدّمه للزبون هو بنفس مستوى الطعم الذي نعرفه ونتذكّره. هكذا حضّرته أمّهاتنا وأولياء أمرنا في البلاد. نحن متجر عائليّ صغير ونحبّ أن ندعم المتاجر الصغيرة الأخرى كي نكبر جميعاً سويّاً، لذلك عندما نستورد نحاول أن يكون استيرادنا مؤثّراً وذو جدوى اقتصاديّة.

العم شاورما يؤكّد على أصالة النكهات عبر استيراد التوابل والبهارات من الأردن وفلسطين ومن المجتمعات العربيّة الأخرى في الولايات المتّحدة، جالباً الدفء البلدي إلى بروين. ماريو تينوريو/ سيسيرو المستقلّة.

نحن لا نستخدم لحم الخنزير في مطبخنا، ولن تجدوه بشكل عام في الشرق الأوسط. نحن نستعمل المنتجات الحلال، وللذين يتساءلون ما هو "الحلال"، هو الطعام الذي يخضع لرقابة عبر عدد من محطّات الضبط والتفتيش لتضمن الجودة الاكثر صحيّة للمستهلك. هناك شروط محدّدة للحصول على اللحم، مثلاً يجب أن يتم ذبح الحيوان بأكثر الطرق أخلاقيّة حيث لا يعلم بأنّه على وشك الموت، ويجب ألّا يشعر بالألم، ويُمنع أن يشعر بالجوع أو بالعطش قبل الذبح، ويجب أن تكون السكين المستخدمة حادّة جدّاً. في نهاية المطاف هذه عطيّة الله التي نتناولها، ويجب أن نحترمها ونتعامل معها كذلك. هذا هو الفرق بين "الحلال" وبين كل لحم آخر.

من أكبر التحدّيات التي واجهتنا كانت افتتاح [العم شاورما]. لقد تطلّب الأمر منّا ستّ أشهر من العمل الدؤوب حتّى فتحنا أبوابنا واستقبلنا الزبائن. ليس من السهل على أيّ أحد أن يعمل لسّت أشهر بكدح، خاصّة إن لم يكن لديه مصدر دخل. عملنا ليل نهار بأيدينا، كسرنا بلاط الأرض ودهنّا الحيطان ونظّفنا كلّ شيء. حاولنا أن نعمل قدر المستطاع كي نوفّر أكبر قدر من المال قبل الافتتاح. في شهرنا الأوّل واجهتنا مشاكل فريدة من نوعها تتعلّق بتقدير كميّة الطعام التي يجب علينا أن نحضّرها، وتقدير عدد الزبائن المحتملين وفي عدم التهوّر في العمل بطريقة لا طاقة لنا عليها. الدعاية والإعلان كانت مشكلة كبيرة أخرى، فقد كان علينا أن نتعلّم كيفيّة تنزيل الدعايات واستقطاب الزبائن باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي.

أتينا إلى بروين لأنّه ليس هناك الكثير من المحلّات التي تحضّرها [الشاورما]. نحن الأوائل. أقرب محلّ آخر يقع في ليونز. هذا معناه أنّه إذا كان سيكون هناك محل شاورما في بروين يجب أن يكون الأفضل على الإطلاق. أردنا أن يرى المجتمع المحلّي مدى التشابه بين طعامنا. مع ذلك، يبقى لطعامنا خصائص فريدة، كالتوابل وطرق التحضير المختلفة، ما يجعل منه أمراً يستحق التجربة. 

ماجد وعمرو: كلّنا عائلة هنا. عمرو أب لطفلين وأنا [ماجد] أب لطفل. متجرنا متجر عائلي، نريد لأطفالنا أن يقفوا بجوارنا ريثما نحضّر الطعام  ونخدم الزبائن. نريد أن نبقيهم قريبين كي يتشرّبوا منّا نفس القيم، وكي نعلّمهم فنون الضيافة وإدارة الأعمال. نريد أن نرى عائلاتنا وتجارتنا تكبر وتنمو مدى الأجيال القادمة.

ماجد: [في المستقبل] نحبّ أن نرى مصلحتنا تتوسّع، ليصبح هناك "العم صحن" أو "العم كباب" أو "العم عصير" أو "العم سلطة"، لا ندري صراحة ولكنّنا نريد أن نتوسّع. كلّي ثقة في طعامنا، في الجودة والمحبّة التي نبذلها في تحضير طعامنا، والتي بدورها تشهد لنا أمام الناس كم نحن نكدّ ونجدّ في العمل. سيكون الجميع في انتظار منتجاتنا الجديدة. 

عندما يدخل أحد الزبائن يتم الترحيب بهم فوراً ببعض من الطعام. إحدى المرويّات من التراث العربي تحكي قصّة مضيف لم يسأل ضيفه عن سبب زيارته لثلاث أيّام ونصف، حيث عامله طيلة هذه المدّة معاملة الاعتناء بالضيف  وما يلزمه من مأكل ومشرب، قبل التطرّق لأيّ غرض آخر من الزيارة. بقيت هذه العادة حيّة عبر الأجيال حتّى استقرّت على ما هي عليه من الكرم العربي. نحن نخدم من القلب، فأنا أضاعف السعادة عندما أقاسمها: عندما نشارك السعادة مع الآخرين، نراها تتضاعف وتنمو. هذا هو الخير المطلق الذي يربح به الجميع.

من اليسار إلى اليمين: عمرو ومحمّد وماجد ومجدي، أبناء عائلة وطاقم عمل العم شاورما، يرحّبون بمجتمع بروين برحابة صدر وأطباق لذيذة تجمع بين الثقافات العربيّة واللاتينيّة."أهلاً وسهلاً" - نرحّب بكم كامل الترحيب. ماريو تينوريو/ سيسيرو المستقلّة.

عندما سألنا ماجداً وعَمْراً عن أكثر الأشياء التي يريدان أن يعرفها القرّاء، أجابا بكامل الكياسة "أهلاً وسهلاً"، ولغير الناطقين بالعربيّة هي عبارة تنم عن الكرم والترحيب بالضيف يردّدها الناس في العالم العربي في البيوت والمحلّات على حد سواء، ترجمتها "أنت مرحّب بكم كامل الترحيب".


غاليليا مينديز صحفيّة مستقلّة وصانعة محتوى، حاصلة على الباكالوريوس في علم النفس من جامعة إلينوي في إربانا-شامبين. سبق لها العمل مع الإن.بي.سي (NBC)، لاتينا (LATINA)، ائتلاف الجيل زيد من أجل التغيير (Gen Z for Change)، مؤسّسة بولسو (Pulso)، وغيرها المزيد. 

صابرينا بيضون كاتبة مستقلّة وطاهية ومديرة الاتصالات الرقميّة في سيسيرو المستقلّة. تكرّس صابرينا عملها لمستقبل مناهض للاستعمار.


هل ترغب في قراءة المزيد من القصص مثل هذه؟ فكر في التبرع لدعم عملنا. مالك يذهب مباشرة لدفع أجور الصحفيين من ذوي البشرة الملونة للإبلاغ عن الأخبار المحلية.

 

الاشتراك

نقدم لكم الأخبار من 60804

نحن نحترم خصوصيتك وسنستخدم معلوماتك فقط لإرسال آخر منشوراتنا في نشرتنا الإخبارية (بالإنجليزية والإسبانية حاليًا).